بدايةً من الذّرّة وصولاً إلى الكائنات الحيّة جميعها ثُمّ الجبال والمحيطات وحتّى طبقات الأغلفة الجويّة بمحتوياتها.. 

العالم بكلِّ مكنوناته! 

جميعهم تكمُن فكرة انسجامهم معاً، في اختلافهم.. 

اختلاف نمط عيشهم واحتياجاتهم هو ما يجعل الحياة تستمر، ولكن إلى حين ظُهور الطّفرة الّتي تعترض هذا الاختلاف، هل سيستمر هذا السّلام الكوني على حاله؟ 

سنعلم ذلك خلال اكتشافنا لما يدور في الكون على غفلةٍ مِنّا.. 

أينمّا وُجِدَت الكواكب، وُجدت أيضاً الكويكبات والنّيازك الّتي تمتطيها سُكّانها، علىٰ مقربةٍ منهم.. 

والتي نَشأت نتاج التّقلّبات المناخيّة الفيزياكيميائيّة الكونيّة لدربِ التّبّانة.. 

إذ يعيشون حياتهم كالبدو الرُّحَّل حيثُ أنّهم يتنقَّلونَ من غلاف جوّي لآخر دون قدرة على الرّسو في أيّ كوكبٍ كان…! 

لا مكان لهم ليستقرّوا فيه غير نيازكهم وكويكباتهم المُتجوِّلة، فهل يرضون بذلك كحالِ غيرهم مِمّن في الكون بأحوالهم؟  

للأسف لا، فهم يعيشون كُل سنينهم الضّوئيّة منشغلين بالحقدِ والغيرة من سُكان الكواكب؛ لا لسبب عدا أنّهم لا يتشابهون في طريقة الحياة.. هم هدفهم الأوّل والوحيد إمّا أن يعيش الجميع مثلهم أو أن لا يعيش أحد! 

مما وُلد من هذه اللّحظة ما يُسمّى بِقراصنة الفضاء، غُزَاة الكواكب.. 

ما حدث أنّ غُزَاة الكواكب خطَّطوا ذات مرة للإيقاع بين أقرب كوكب للشّمس؛ لاحتمالية أن يكون الدّمار النّاتج عظيم…! 

إذ ذهب وفدٌ منهم بنيزكه لأقرب نُقطة ناحية مدار عُطارد، وأخذوا يُبادلونه الحديث بخبث يجهله كوكب صغير مثله.. 

زيّفوا حديثهم بالتّعاطف حولَ كونِهم يشعرون بكمِّ احتراقه بدرجات الحرارة العالية للشّمس، وكونه الأكثر ضرراً منها.. بدأوا بتنفيذ خطتهم بذلك ثُمّ قالوا: 

“طوال هذه السّنين كنّا نتوقّع من فينوس المُبادَرة بتقديمِ المساعدة لتخفيفِ ذلك عنك ولو عنَى ذلك بمبادلتك مكانها من حين لآخر.. إلّا أنّها تستمر بالتّظاهر بانشغالها كما لو كانت تُعاني أكثر منك..”  

وابتسموا لبعضهم حين شعروا أنّ كلامهم وَجدَ في قلبه مَلْتَمَس، ثُمّ مالَبَثَ أنْ أجابَ بتردّد: 

“ولكنّها فعلاً منشغلة، بأمور كتنظيم الحياة لسُكّانها ونحو ذلك..” 

غضبوا، ثم ضحكوا هازئين مستغلّين عدم خبرته بمعاتبته: 

“أيّ انشغال هذا؟ حتّى وإن كان، لا تنسى أنّ فينوس هي الزّهرة توأم الأرض! الوحيدة الّتي تكاد تُماثل الأرض في المواصفات! 

ترتقي هِيَ يوماً بعد يوم، وأنت وحدك من تقترب لك أشعّة الشّمس شيّئاً فشيئاً حتّى يأتِيَ اليوم الموعود الّذي تزداد فيه الشّمس اتساعا ولن يتضرر غيرك بينما يحصلونَ هم على مسافة بلايين السّنين الأُخرى في رفاهيّتهم..” 

 ابتعدوا حينها قليلاً تاركين له أنْ يتخبّط بَيْن ما فَهِم منهم، وبين ما كان ثَابتاً في مبادِئه.. إلى أن قرّر أن قَولَهم بالفعل منطقيٌّ بحث ومقنع علميّاً، فاشتعلت نيران غضبه وحزنه كما هي نيران هيكله مشتعلة.. 

ثم ما لبث ثواني حتّى انطلق بسرعة كاسِراً بها قوانين درب التبّانة طافِحاً به الكيل احتراقا مُقرّراً من نفسه أنّه أحقُّ بأن يأخذ مكان الزّهرة بعد كلّ هذه السّنين؛ لينعم أخيراً ببعضِ درجات الحرارة المُنخفضة! ويسود عقله الأفكار السّوداء لشياطين الفضاء مُتجاهلاً قوانين الكون المنصفة للجميع، ومتناسياً لحقيقة معاناة جارتِه الزّهرة لدرجات الحرارة العالية النّابعة من مدارات غلافها الخاص، الدّفيئة إجباريّاً، وليس من الشّمس وحدها! 

فهي بالفعل تأخذ نصيبها من الاحتراق، ولكن المراهق عُطارد في خضم غضب متهوّر، فمن سيوقفه؟ 

عطارد لم يحترم لوائح أخلاق درب التّبّانة رُغم أنّها لم تجحد عليه في حقوقه شيئاً يوما.. 

وصل منطقة مدارات الزّهرة والّتي تُعطي طابع الهدوء الخاص بفينوس ممّا زاد من حُنُقِه، 

ومن شدّة الغضب أخذ عطارد يدور حول نفسه بسرعة تنافس سرعة دوران الإلكترون حول نفسه وحول الذرّة! 

حتى أصبح مُحاطاً باللّهب مما أدّىٰ لفقدان تحكّمه بهيكله وخروجه من مجال غلافه، انتفضت الزّهرة وحاولت الإسراع هرباً، ولكن حدث ما لم يكن متوقّعًا لأحد عندما اصطدم الجميع بكوكب الأرض بما فيهم النّيازك الّذين ظنّوا بأنّهم سيظلّون على ما يرام بالمشاهدة فقط..  

ولكن من حفر حفرة لأخيه وقع فيه، إلّا أنّ شياطين الفضاء يمكنهم استغلال كُل طامّة لصالحهم.. 

اختلط جميع أولئك السّكان داخل الأرض، حيث انتشر كُلّ منهم في قارّة ما، عطارد خطّته باءت بالفشل، وسكّانه أخذوا يتحسّرون على ما حلّ بهم من بَلاء.. 

أمّا سُكّان الزّهرة قد نما فيهم شُعُور ما بين الانتهاك والاستيلاء والظّلم، شعروا بالخيانة..! فعقدوا العزم وقرّروا الانتقام، فاستوطنوا في بقعة مُتباعِدة عن سُكّان الأرض وأَمْسَوْا يَحِيكُون المكائد والخُطط واحدة تلو الأخرى للإطاحة بمن كانوا جيرانهم سابقاً، ليشفي غليلهم.. 

أما عطارد فسكّانه انغمسوا بين الدّفاع عن أنفسهم من بطش ثأرِ الزّهرة، وبين أخذِ اقتصاصهم الخاص من قُطّاع الكواكب الّذين لم يسلَموا، ولكن.. 

باتَ الوضع في صالِح هؤلاء القراصنة الآن.. 

أخيراً حدث ما كانوا يتُوقُون له بشدّة وهو اجتياز مدار أحد الكواكب والاستيطان فيه كما غيرِهم! ثُمّ آخراً أن يُعيثوا الفساد فيه كعادتِهم فكانوا يُفاقمون ويُطوّرون الصّراعات فيما بين مواطنين كُلّاً من فينوس وعُطارد.. 

أمّا الأرض فما كان لها إلّا أنْ تكون ضحيّة غزو ثلاثي فأصبحت تتوافد عليها الحُروب والأمراض والاختلال السّيادي دون حِيلة منها أو قدرة على المواجهة.. 

فمن الذي يستطيع مواجهة مشكلة عدو لا يعلم بوجودها أصلاً؟ 

حتّى أضحت الأرض تُستهلَك شيئاً فشيئاً، واللّه وحدهُ أعلم متى ستنهار وتتلاشَىٰ قريباً… 

فلو أنّ قوم الكويكبات الصغيرة آمنوا بالاختلاف ومنحوه قيمته لما آل وضعهم إلى الغيرة والمُقت.. 

ولو أنّهم احترموا الأخلاق الكونيّة لما سوّلت لهم أنفسهم بثَّ الفساد فيها.. 

ولو أنّ عطارد لم يُخالف قوانين الفضاء لما أدّت سرعته لهذا الدّمار.. 

ولو أنّ الجميع لم يستمع للأصوات الدّاخلية للثأر والانتقام لما عجّ كل هذا الخراب حتى الهلاك.. 

ولو أنّ ولو أنّ ولو أنّ.. ولكن ما نيلُ المطالب بالتمنّي.. 

بقلم : منتهى مسعود الرعبوب. 

الزعاف : نوع من السموم لا علاج له. 

هيمنة : سيطرة، سلطة. 

0 Shares: