شهدنا على مدى العقود الماضية تحولاً هائلاً في طريقة تبادل الأفكار والمعلومات، فبفضل السوشيال ميديا أصبح بإمكان أي شخص أن ينشر أفكاره، ويلعب دورا في صناعة آراء أصدقائه وعائلته على الأقل. أما مع بضعة آلاف من المتابعين يمكن أن يكون له تأثير أكبر وأن يساهم في صناعة الرأي العام بمجتمعه وحول العالم على مستويات مختلفة، خاصة أولئك الذين يعيشون في الخارج أو يتابعهم أشخاص من ثقافات وبلدان مختلفة. هذا ولم نتطرق إلى الفنانين أو اللاعبين أو الشخصيات المشهورة التي يتابعها الملايين أو حتى مئات الآلاف .

لقد أصبح اليوم لدينا القدرة على التواصل والتفاعل مع الآخرين بشكل لم يكن متاحًا في السابق، فتغريدة على اكس أو منشور على فيسبوك، أو حتى قصة على انستغرام أو سنابشات يمكن أن يساهم في إيصال الصورة للكثيرين من الذين لا يتابعون الأحداث عن قرب، أو تصلهم رسائل مضللة من وسائل الإعلام العالمية. هذا الوصول والتأثير هو سلاح قوي وفرصة هائلة للمناصرة ونشر الوعي حول القضايا العادلة في العالم. ومن أهم هذه القضايا التي تستحق دعمنا وتأييدنا هي القضية الفلسطينية.

كما تعلمون، تعاني القضية الفلسطينية من غياب العدالة والتمييز الواضح في تعامل وسائل الإعلام الرئيسية العالمية معها، حيث يتم تجاهل جرائم الاحتلال الإسرائيلي وتبريرها، كما يتم بشكل صارخ تطبيق معايير مزدوجة عند التعامل معها أو بمقارنة تعاملهم مع قضايا أخرى، كالحرب على أوكرانيا مثلاً. ففي الوقت الذي يتم فيه تقديس حياة وسلامة الغزاة الإسرائيليين، الذين يغتصبون الأرض والبيوت، يتم تجاهل حياة أطفال وأهالي غزّة الذين تقصف بيوتهم، ويهجرون من مساكنهم، ويحاصرون براً وبحراً وجواً، وتمنع عنهم المياه، والكهرباء، والإنترنت، والأغذية، والمساعدات.

كان هذا النفاق واضحاً بمقارنة موقف الغرب من الحرب على أوكرانيا. ففي الوقت الذي أصموا آذاننا بقبح العدوان الروسي، وعدم عدالة الحصار على تصدير الحبوب، وقطع الكهرباء، وعن أحقيتهم في الدفاع عن أرضهم، وذرف الدموع على أرواح الأبرياء من النساء والأطفال والمدنيين، هم لا يظهرون هذا التعاطف مع عملية التطهير العرقي الذي تقوم به إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.

بهذا السياق، تأتي أهمية دورنا كمستخدمين للسوشل ميديا وكمؤثرون على هذه المنصات، حيث يقع على عاتقنا في هذه الأوقات العصيبة وأكثر من أي وقت مضى أن نلعب دورا في دعم السردية الحقيقية للقضية الفلسطينية وأن نوظف حساباتنا ومنشوراتنا للوقوف في وجه الموجة الممنهجة لتشويه الواقع وتضليل الحقيقة. فمن خلال منشوراتنا والمحتوى الذي ننشره، يمكننا أن نسلط الضوء على الجزء غير المسموع من القصة، على الانتهاكات الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية، على تاريخ الاعتداء التي بدأ منذ ما يزيد عن 75 عاماً، أن نفضح جرائم الاحتلال والانتهاكات اليومية التي يتعرض لها الفلسطينيون.

هذه الفرصة متاحة بشكل أكبر لأولئك الذين يقيمون في مجتمعات غربية ويتابعهم الجمهور الغربي، فنحن اليوم في أمس الحاجة لاستثمار قدرتهم على الوصول إلى هذه المجتمعات. هذا الوصول يمنحهم فرصة أعلى في تغيير النظرة العامة العالمية وتحويل الرأي العام الدولي لصالح العدالة والحق. يمكننا الضغط على هذه الفئة، واستخدام حساباتنا، وما نمتلكه فيها من قوة وتأثير لكسر حاجز الصمت والتجاهل الذي يُفرض على معاناة الشعب الفلسطيني.

بالإضافة إلى ذلك، يمكننا توجيه نداءات للمنظمات الدولية والمؤسسات الحقوقية للتدخل ومراقبة الوضع في فلسطين، وضمان تطبيق القانون الدولي وحقوق الإنسان. يمكننا أيضًا المشاركة في الحملات العالمية لمقاطعة المؤسسات والشركات التي تدعم الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي.

في النهاية، نحن مسؤولون عن استخدام قدرتنا على التأثير عبر السوشل ميديا بشكل مسؤول ومثمر. لذلك يجب أن نؤمن بقوة الكلمة، وتأثير الصورة، ورسوخ الرسالة التي يوجد من يحارب من أجلها ويبذل لها الغالي والنفيس. يجب أن نشجع أنفسنا على نشر المعلومات والحقائق والسردية الصحيحة والموثوقة حول الوضع في غزة، وفلسطين. يجب أن نعمل على التغيير، ونكون جزءاً من هذه الحرب!

بقلم:

محمد أبوسنينة

موجه مناظرات
مؤسسة الحوار والمناظرة
مصراتة

0 Shares: