قبل التطرق إلى موضوع القيم المجتمعية علينا أن نعرف ماهي القيم أصلاً، وكيف تتشكل هذه القيم؛ فبدايةً القيم بشكل مبسط هي مجموعة من المعايير والأحكام النابعة من تصورات أساسية لدى الأفراد عن الخالق والخلق والكون والحياة، كما أنها هي ما يحكم سلوك الأفراد، وعلى أساسها تُبنى قواعد ومعتقدات الفرد المتمثلة في مبادئه، وهو ماتنعكس آثاره على المجتمع، وعلى الرغم من كون فلسفة تأثير الفرد على المجتمع وتأثير المجتمع عليه أمرٌ مُخْتَلَفٌ عليه في الأوساط الفلسفية ولكن دوماً ماسنجد الفكرة الغالبة هي فكرة أن الأفراد هم المكون الأساسي للمجتمعات، ممايترتب عليه كون القيم المجتمعية هي القيم التي يتحلى ويعمل بها الأغلبية من أفراد المجتمع، لذا نجد أن المجتمعات التي تعاني من مشاكل أخلاقية إما يكون سبب ذلك هو توارث الأغلبية من الأفراد بهذا المجتمع قيم أثرت سلباً على المجتمع وأصبحت مشكلة يعاني منها المجتمع.
ورغم علمنا جميعاً بأن المجتمعات البشرية لم تخلوا يوماً من المشاكل الأخلاقية والعيوب، إلا أننا اليوم نواجه مشكلات وظواهر مجتمعية سلبية عديدة، مما أصبح يثير القلق والخوف الشديدين لكل مصلح يأخذ على عاتقه السعي لإصلاح المجتمع فلم تصل مجتمعاتنا العربية والإسلامية فيما سبق قط إلى ماوصلت إليه اليوم من مشاكل أخلاقية وظواهر سلبية متفشية في مجتمعاتنا ولاتمت إلينا بصلة، فما بات الواحد منا يتصفح وسائل التواصل الإجتماعي، إلا ويجد أمامه أخبار عن جرائم أخلاقية، وجرائم قتل، وسرقة، ومخدرات، وغيرها من الظواهر السلبية البارزة، والتي أصبحنا نسمع ذكرها بشكل متكرر ولا نرى سعياً حقيقياً لحلها، الأمر الذي يجعلنا نمعن التفكير في سبب دخول مجتمعاتنا لمثل هذه الحقبة التي وجد نفسه يعاني فيها من شتى أنواع المشاكل الأخلاقية، بدءً من صغيرها وانتهاءً عند كبيرها، وماهي أسباب تفاقم هذه المشاكل، مايدعونا للتأمل في حالنا بشكل أعمق، فنحن ومنذ سنوات بدأنا نسمع ونرى ظهور هذه المشاكل الأخلاقية والعيوب في مجتمعاتنا، ولكن الإنشغال عنها بالإصلاحات الإقتصادية المزعومة أوصلنا إلى تتفيه هذه المشاكل، كما أوصلنا إلى ما عليه حالنا اليوم، فلا وُفِقنا في إصلاح اقتصادي ولا حللنا مشاكلنا الأخلاقية، ما يثبت أن جوهر المشكلة التي نعاني منها منطقي وواقعي، ولابد من إيجاد حلول جذرية لها، وماشهدناه من تجاربنا خلال عقود مضت إن الإصلاح سواء كان إقتصادياً أو سياسياً لا ينجح إلا بإصلاح المجتمع، فكيف لنا أن نتوقع أن نغير أي شيء للأفضل، فيما نحن لم ننجح في تغيير أنفسنا وحل مشكلاتنا الأخلاقية؟
قال تعالى(إن الله لا يُغير ما بقوم حتى يُغيروا ما بأنفسهم).
إن أخذنا إصلاح المجتمع على عاتقنا، والعمل على لفت الأنظار إلى مخاطر وعواقب المشاكل الأخلاقية المتفشية في مجتمعاتنا، أصبح ضرورة قصوى، تدعونا جميعاً لأن نتخذ سبل الإصلاح على محمل الجد، وإن إدراكنا لفكرة أن القيم المجتمعية ماهي إلا عبارة عن قيم تتولد بسبب تحلي أغلب أفراد المجتمع بها توضح لنا أن تغيير المجتمع للأفضل ليس بمستحيل.