أحمر قاتم, عن المنطق وتفاصيل أهميته
» عَـاطِـفـة
• حِـيـرَة مَـشَـاعِـر
ثُبِّتَ الشِّراع، في أتمِّ الاستعداد انتظارا لِـنسيمِ الرِّياح المُحدَّد كَـوُقود لما أَقُود، لِـيُكمّل بعضنا بعضاً حين أتولّىٰ أنا التّحكم بِـالوِجهة بينما هو يتولّىٰ التّحريك، حتّىٰ وصلنا ولٰكن ليس لِـلنّهاية بل لِـمُفترقِ الطَّريق، حيثُ تكمُن مسؤوليّتي بالانتقاء،
الرّياحُ تنتظرُ خَيَارِي وأنا أنتظرُ إشارة ولكن!
التردّدُ مُحال بينما البحر غدّار والرّياح قد تؤول لِـعاصفة؟ أي إمّا أن أُقرِّرُ الآن أو الآن.
فَـيا تُرىٰ، هل من نتيجة؟
» مَـنْـطِـق
• مـعَ، أَم بِـدونِ مَـنـطِـق؟
يقول الفيلسُوف اليوناني سِقراط : “خلقَ الله لنا أُذنين ولساناً واحِداً لِـنسمع أكثر مِمَّا نقُول”، وأنا أرىٰ أنّ كلامهُ لا غُبار عَلَيـه.
مع قليل من التمعّن في تفسير قوله سُبحانه وتعالىٰ: ﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾. -البلد.
كـتَوضيح مَبدئِي، الحوارُ يُعرَّف اصطلاحا أنّـه تداوُل الكَلام بيْن طرفيْن لِـمُعالجة قضيَّة من قضَايا الفِكر، والعِلم، والمَعرفة.. بِـأُسلوبٍ متكافئٍ، يغلب علَيْـه طابع الهُدوء، والأَدب.
يختلفُ النِّقاش عنِ الحوارِ قليلاً، أمّا الجِدال فـيختلِف عنـهُ جذريّاً.
وفـي الخاتمَة سـأزوِدُّكم بِـالكثير من الرّوابط المرجعيّة المُفيدة فِيـما يَخُصُّ ذلك..
• مـا يَـحُـول بَـيْـنَـنَـا وبَـيْـنَ الـمَـنـطِـق
عندَ تَسليطِ الضُّوء علىٰ مُعدّلِ الكَلمات اليوميّ الذي يتحدّث بهِ البَشر تَجِده يتكوّن من 7000 إلىٰ 21000 كَلمة، هذا ما أشارت إليـهِ البُحوث والدّراسات العلمية العالميّة.
وإذا افترضنا أنّ 50% من هذا المُعدّل يُستهلك فـي النّقاشات نرىٰ افتراضيا أنّنا يوميّاً نَهْدُر حَوالَي من 3500 حتّىٰ 10500 كَلمة نِقاشيّة إن لم يَكُن أكثر بالطَّبع.
لِـنضع الأرقام جانباً..
السّؤال هُنا، هل هذه النّقاشات وما يُهدر فيها من وَقت، مَضمونها سَليم؟ مُريح؟ مُؤذي؟ خَطِر؟
أنتَ سـتُحدّد ذلِك الآن من خِلال حَصيلة فَهمِك..
هُنا سـنُناقِش سَبب أنْ يَكون النِّقاش سَليم وكَيف نُحقِّق ذلك؟
أذكرُ ذَات مَرّة حِين كُنت أَتجوّل مع صَديقتي وَقَعتْ أنْظارنا علىٰ حَقيبة، كُنتُ أراها حَمراء وهي تَراها وَرْدي قَـاتِـم، كَان كلٌّ مِنّا مُتشبِّث بِـرأيه ويرىٰ مِن مَنظوره أَنّـهُ الصّائب، كنتُ أنا علىٰ يَقين بِـأنّـها حَمراء وهي أيضاً علىٰ يَقين بِـأنّـها وَردي قـاتِم، إلَّا أنّـنا لَم نَضع اعتبارا لِـلأَمر عِلماً منّا أنّ العِلم يَعترف باختلاف رُؤية العَين لِـلأَلوان مِن شَخصٍ لآخر، لِـذا لم نُعطي لِـلأَمر أَهميّة نَظراً لِـما أَثْبته العِلم.
إذاً، مَاذا عَن الآراء وَوِجْهاتِ النّظر وَالنِّقاشات الّتي لا تَملك إثْباتات وبَراهين علميّة؟ كَيف تنتهي؟
بِـالتّأكيد مَنها ما سَـتنقَضي بِـصمتِ أحدِ الأطرافِ فـي حلقةِ النّقاش ويَمتنع عَن إيصال فِكرتهِ وبِـصورةٍ دائِمة لِـعدمِ مُرونةِ وتقبّل الشّخص الآخر لِـوجـهـةِ نَـظَـرٍ مُخالفة لهُ، وبِـالتّالي سـيظُنّ الآخر بِـأنّ الصّواب حليفُهُ، وكلُّ ما يُخالفه خَاطِئ، يالَها من سَفْسطائيّة وتفكيرٍ مُتأخّر!
هذا تحديداً ما يُسمّىٰ بِـالنّقاش العَقيم بِـالإضافة لِأنْ هَذا لا يولّد أيّ نُقطة تُرضِي الطّرفين لأن كُل شخصٍ يرىٰ الصّواب بِـعينِ مـنـظُـورِه الـشّـخـصـي.
وأيضاً ذلك ما يتَفاقم منَ الحديثِ الودّي لِـيصبحَ جِدال ومِنـه إلىٰ خلافٍ ينتهي بِـتخاصمِ الطّرفينِ وتَدهوُر العَلاقات، لِـمُجردِ اختلاف فِكرة.
يَقتضي الأمر أنْ نُؤمن أنّ الاختلاف فـي الرّأي -أبداً- لا يُفسد لِـلودِّ قضيّة.
قَطعاً لا يُمكننا تَجاهل تِلك النّقاشات الّتي تَنتهي بِـالإصابات، والكَدمات المَعنويّة.. الّتي يُصبح فِيـها الكَلام بِـمثابةِ سيفٍ حـادٍّ هدفهُ وَاحـد وهو تَحطيم قَلب ومشَاعر المُتلقّي، حتّىٰ ينتشي المُحطِّمُ محتفلاً داخليّاً بِـفوزه المزعوم..
والكثير مِمّا يحدُث علىٰ غِرارِ ذَلك، تتضمّن المَواقف الحوارِيّة الّتي نجدُ أنّها تشتَرك فـي كونِ نتائجَها ليْست بِـالايجابيّة علىٰ نفسِ ومشاعِر من يَخوضَها..
إذاً ما هي الطّريقة السّليمة لِـقيادةِ وإدارَة حلَقة النّقاش وإبقائِها فـي الإطارِ المَحْدود؟
الإجابة بِـكلِّ بسَاطة هي إضافَة المنطِق لِـنمط حيَاتنا المُفتَقِر لَهُ، وجَعلِه مع المُرونَة أُسلوب حيـاة.
• هَـل لِـلْمَـنـطِـق نـتِـيـجـة؟
لو أنَّ طريقة تفكيرنا وأسلُوب حديثنا تنبع من أُسُسْ منطقية، ولو كان كل فرد منا مُطّلع وعلى علم بِـالمُغالطات المنطقيَّة على الأقلِّ، لَاختلف الأمر كثيراً، ولو كلّ شخص منّا تحلّىٰ بِـالمُرونة في تقبّل الاختلافات الفكريَّة، لَـتوافقت ذواتنا مع محيطنا وانعدمت المشاعر السّلبيّة والعداوات التي أساسُها اختلاف الرّأي.
طموحات عالِيَة، أليست كَـذلك؟
يجبُ تعزيز رصيد ثقافتنا الفكريّة بِأُسُس المنطق لِـكي نَنْعم بِـحـوار سليم لا يشوبه أيّ نزاع أو خِصام.
لأنّنا نحتاج لِـجعلِ متلازمة إهمال قِيَم ومبادئ الحديث أنْ تنقرض، بِـحاجة لإقصاء العشوائيّة الفكريّة من حياتِنا.
وحين الإشارة لِما يلي، أذكُرُ قول سُبحانه وتعالىٰ: ﴿وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ – سورة النَّحل، الآية 125.
مِمَّا يؤكّدُ لَـنَا ضرورة إبداءِ اهتمام في جعل محاورِ حديثنا في أحسَن صُورِها الأَخلاقِيّة..
• الـتّـفـكِـيـر الـنّـقـدي | Critical Thinking
المنطق يُكتَسب، ولِـلجميع القدرةِ على أن يحظىٰ بِه، فـلِم نتجاهل أهمّيتهُ ونفتقِر لِـفوائدِه؟
إنّـنا ننتمي لأُمّة عُرف عنْـها عُلماء عِظام، ألا يجب أنْ نكون بِـالمِثل؟ فكريّاً ومنطقيّاً.. حتّى نبلُغ ما يُفتَخر بِه كأسلافِنا. لطالما كان الغِنىٰ المعرفي والفكري من ركائِز الأُمَم، فَـمن يفتقر لِـلفِكر والمنطقِ يسهُل جداً غزوِه والإطاحةِ بِه.
يجب علينا أن نتسلَّح بِـالفكرِ السّليم لِكي نَقود أنفُسنا ونقود بلادنا نحوَ الأفضل..
وبِـهذا الصّدد، يقول حبيبنا صلىٰ الله عليهّ وسلّم: “جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم”. رواهُ أَبُو داود بإسنادٍ صحيح.
• تـحـدّي خَـطُّ الأُفُـق
حاليّاً أنت في خضمِ الوقوفِ عند مفترقِ طريق،
المفترق الذي ينقسِم بينَ البقاء على الحالِ نفسـه..
أم الاكتراث والاستجابة لذاتك بِـالعزمِ على الاعتناء بِـهذا الجانب..
القرارُ هُنا مسؤوليّة عاتقك أنت! أمّا مسؤوليّتي تقتصر على توضيح أهمِّيِّة اغتنام الأمر بِجدِّيِّة وَوَضعِه بِـعين الاعتبار.
لذا ها أنا ذا أقول، بأنّ الانغماس والسّعي لِـلتّنمية الفِكريّة والغوص في بُحُور المنطق:
– سـيَمنحُك من البصيرةِ والفِطنة والنّضج أميالاً عظيمَة، مثل أنْ تمتلئ النّفسُ بِـالفوزِ، الهدُوء، الإدراك، سيعُجّ العقل بِـالحُجج سليمةُ الأساس، لِـتُميّز وتقرّر وتُقيّم بِـسهولة ما تراه وما يُلقىٰ على مسامِعك من أحاديث.
– تُناظِر نفسكَ قبل أي أحد، تقع في حبِّ قراراتِك التي تتّخذها باستخدام عقلك.
– معرفة الطُّرق الأفضل بِـوُضُوح لِـكتابةِ بُحوثِك الدّراسيّة.
– ازدهار قُدرتك في كلٍّ من التّحليل، الرّبط، الاستنتاج، الإقناع، التّفكير النّقدي.. وغيرها الكثير!
إلىٰ أن تجِد نفْسك في المحطّة الّتي ترى فيها الفَخر والعِزّة بِـشخصِكَ فتنفرج أساريرك، وتؤمن بِـنَفسك..
ورُغم كلّ ما ذَكرتُه، فهو يَظلّ إجحافاً في حقِّ الرّبيع الذي سـيُزهِر في عالمِك عند إعادةِ النّظر والتدّبّر في الفِكر.
لأنّـه من الظُّلم حَصر وتخصيص المنافع العديدة للمُمارسة الفكريّة السّليمة والعملِ بها.
• الْـمَـنْـطـق كـ«عِـلْـم»
لا يُمكن لا الجُحود ولا الزُّهد في ذِكر عظمةِ علم المنطِق،
وفي هذه المناسبة، تعدّدت مسميات هذا العلم وكَثُر التّغزُّل بِه من قِبل العُلماء..
حيث سُمّيَ علم المنطق بِـ(علمِ الميزان، معيار العلوم، علم قواعد التفكير، وسمّاه أبو نصر الفارابي بِـ رئيس العلوم، وسمّاه ابن سينا بِـ خادم العلوم).
صدقاً يالِجمالِ حظِّ طلبة القسمِ الأدبي لِـدراستِهم إيّاه كمادّة منهجيّة في المدارس، لطالما اعتقدت أنّـه علم يجدُر على جميع الأقسامِ دراسة ولو جُزء بسيطٍ مِنـهُ، نظراً لأهمِّيته الّتي لا يُغفل عنها، وأنَّـه يَدخل في جميع العلوم، وهو أساسها إذ أنّها تَعتمِد عليه، من الجميل لو وُجِدت نوادي ثقافيَّة تهتم بِـهذه الأُمور في المؤسّسات التعليمية.
» إِرتـبَـاط الـمـنـطـق بـالـمـنـاظَـرة.
• تَـفـاصـيل حَـصـيـلـة تَـجْـرُبَـة شَـخصِـيَّـة
خِتاماً ولأنّ لابُدّ من مُلاحظةِ الكثير منـكُم أنّ ما ذكرته يتعلّق جذريّاً بِـالمناظرة، سـأقطع لَـكم الشّك بِـاليقين وأؤكد لَـكُم أنّ حدسكم في محلِّه.
من بابِ أنّ المناظرة هي من أهمّ المهارات والمُمارسات المنطقيّة والفلسفيّة، حيث بديهيَّاً هي مبنيَّة على أسُسْ منطقيِّة، علماً بِـأنَّ الفوز فيها هو منْ نصيب الحُججِ الأكثر منطقيِّة، حينئذٍ تكون الأكثر إقناعاً مع مزيج من الدّحضِ المنطقي البحثْ، محشوّ باصطياد المُغالطاتِ المنطقيِّة، وبِـذلك أُثني عليك كمُناظر مثالي.
• اعتراف
أُحبُّ المناظرة حُبَّاً جمّاً لِـما أوصلتني إِيَّاه من إدراك ووعي فكري؛ إذ بِـمجرّدِ اتخاذك المُناظرة أسلوب حياة، تكون قد حقّقت الهدف من جعلِ المنطق والمرونة أسلوب حياة.
لا تدَع مشاغل الحياة تُلهيك عن أمور بالغة الأهمّيّة كَـهذه، هي حتماً سَـتكون لَك سنداً ونوراً عند التَّقدم خطوة بِخطوة..
» نَـتِـيـجَـة.
• مزج الـعَـاطِـفَـة بِـالـمـنـطـق
وصَلتُ، ورفعتُ الشِّراع، ولم أندم على ما اصطفيته من طريقٍ، لأنّـني وحينَ التفتتُ للطريق الآخر، وجدتُ الأمواج تلتَطِمْ بِبعضِها البعض، وملامِحَ إعصارٍ على وشَكِ أنْ يبدأ، وبِـذلِك، حمِدتُ الله أنّـني تَبِعتُ حَدسي سَـرِيـعـاً ووجَدتُ السَّلامة فيه.
المراجع:
“المنطق منذ أرسطو حتى العصر الحديث وأثره في التَّطور العلمي والمعرفي” :
https://drive.google.com/file/d/11Yjukk29hLhmT9PjBvWeoXB9GDM4nKnY/view
.
“ماهو علم المنطق” :
.
“بين الجدل والنقاش والحوار.. تعرّف على التشابه والفروق بينهم” :
.
“المغالطات المنطقية – منطق” :
http://mnteq.com/logical-fallacies/
.
.
.
مقاطع شروحات عربيّة عن المغالطات المنطقية :
.
.
.
رابط تحميل كتاب المغالطات المنطقية لـعادل مصطفىٰ :