بدايةً، لايُخفى على أحد بأنّ في كل دولة توجد صعوبات تفرض نفسها على الشاب وتختلف بإختلاف الدولة، وذلك حسب ظروفها الإقتصادية والمعيشية والأمنية وغيرها من الظروف الأخرى، وممّا لا شك أن الكل يريد أن يطوّر من نفسه سواء كان على الصعيد الشخصي أو على الصعيد الوطني، ولكن السؤال المطروح هو: كيف يمكن أن تتطور وتعيش في ليبيا؟، ما هي الوسائل والفرص الموجودة؟، ما هي العقبات و التحديات؟ وكيف يمكن التخلص منها؟
للإجابة على هذه الأسئلة اجتمع اليوم شباب من مختلف أنحاء ليبيا ليجيبوا على هذه الأسئلة بناءً على تجاربهم وأفكارهم، من خلال خوض الحديث في ما وقع لهم من أمور، مثلهم مثل العديد من الشباب، وقد تناول هذا المقال على عدد من النقاط، التي ترتكز على شباب مُلهمين تحدّوا أنفسهم واستطاعوا أن يتخطّوا المصاعب والتحديّات التي واجهتهم، فهل أنت مستعد لتخطّي المصاعب؟
- المكان الجغرافي
عبد الرحمٰن شاب يعيش في أحد المناطق الريفية في ليبيا، وكما نعلم بأنّ المناطق الريفية في ليبيا تُعاني من صعوبات شديدة ومن تخاذل الجهات المسؤولة على دعمها، فأغلب الطرق فيها غير معبّدة ممّا يصعب عملية المواصلات فيها و ضعف الإنترنت، وقلة المراكز التعليمية والأنشطة على خلاف المدن الكبيرة.
عبد الرحمٰن شاب طموح يحلم بأن يبني ويطوّر نفسه ويساعد في بناء ليبيا، أراد عبد الرحمٰن الإنضمام إلى بعض المنظمات الهادفة ولكنّه لم يستطع بسبب تلك الظروف وقلة الإمكانيات، فجلس في يوم من الأيام وبدأ يفكر في حل تلك المشكلة، وكان الحل الوحيد أمامه هو أن يقوم بالبحث عن بيئة توافق حلمه وهدفه، أخيرًا قام بالإشتراك في مساحة عمل تتوفر فيها مصادر الكهرباء والإنترنت، وأستغلّ الفرص الموجودة على الإنترنت من مواقع تعليمية لتنمية وصقل مهاراته مثل موقع إدراك الأردني و غيرها من المصادر الأخرى بما فيها من محاضرات وفيديوهات قيّمة.
- غياب التشجيع
ربما يكون هذا العامل غير مهم للبعض، إلا أنّه عامل مهم جدًا وله تأثير كبير على نفسية زكريا، وهو طالب يُعاني من مشكلة غياب التشجيع في محيطه، حيث أنّه حينما يتحدث مع أصدقائه و عائلته عن فكرة ما راودته، ويسعى لتطبيقها، يتلقّى ردًا قاسيًا، جافًا، سلبيًا، بحجة أنّ لافائدة منه “شنو تقول بس”، “أنت مش حيصير منك!” وغيرها من الكلام السلبي الذي لايكسب زكريا إلا عزيمةً وإصرار، ومرت الأيام وبدأ يتساءل نفسه “علاش همّا سلبيين؟”، “ليش هما واعرين وماعمرهم فهموا قصدي أو الّي نبيه؟”، واستمرّ على أمل أن يتعرف على ما يستطيع القيام به من أجل أن يقضي على هذا التفكير السلبي؛ بسبب مشكلة ما ألا وهي أن نفسية معظم الشعب الليبي تدهورت بسبب ما مرت به البلاد من حروب وعدم استقرار، وهذا أدّى إلى ظهور نتائج سلبية في المجتمع، ولا يعني هذا أنّ زكريا يرى نفسه أفضل من شعبه، لا، بل قام بإدراك ما يمكن فعله من أجل أن يقوم ببناء نفسه من لصناعة التغيير في المجتمع، وبعد فترة من الصراع بفضل توفيق الله وصل زكريا لقناعة جديدة، بأنّ إذا لم يحفز نفسه بنفسه وأبتعد عن كل ماهو سلبي ويجلب له الإحباط، واستبدلها بأشياء تعود عليه بالفائدة، فلن يصل يومًا إلى هدفه.
- غياب الهدف.
محمد طالب تخرّج حديثًا من الشهادة الثانوية، كان متفوق و مجتهد في دراسته وكان هدفه الأكبر أن يكون شخص صاحب أثر وبصمة، وناجح في المستقبل.
بعد إنتهاء محمد دراسة الشهادة الثانوية ظلّ يفكر كثيرًا، “كيف يمكن نكون شخص ناجح؟، شن هي طموحاتي و شن هو الطريق الّي مفروض نمشي فيه؟” ظلت هذه الأسئلة تراود محمد بينه وبين نفسه، وأستغرق الوصول لإجابة هذه الأسئلة سنة (لأن الدراسة الجامعية متوقفة؛ بسبب الوباء و عدم جاهزية الكليات لتلقي طلبة جدد)، كل شخص كان لديه ترتيب مختلف لمدى صعوبة التحديّات، ولكن كان هذا التحدي الأصعب بالنسبة لمحمد من التحديات الأخرى.
في هذا العام تطوّع محمد في تنظيم أكثر من حدث سواء كان في منظمات المجتمع المدني، الجهات حكومية، الحركة العامة للكشاف والمرشدات، واستطاع محمد في هذه الفترة أن يجرب الكثير من الفرص التي لم تُتاح له من قبل، لفتت انتباهه تجربة مختلفة فريدة من نوعها وهي منظمة ليبوتيكس المختصّة بالروبوتات ومهتمة بالعلوم والهندسة والتكنولوجيا والرياضيات في ليبيا، رأى محمد أنّه شغوف بمجال الهندسة والروبوتات.
ومن هُنا بدأ محمد مسيرته في الهندسة والرياضيات، التحق بكلية الهندسة بجامعة طرابلس، وإيمانًا بقدراته وأهدافه أنشأ محمد فريق لصناعة الروبوتات تحت إشراف منظمة ليبوتيكس.
- رفاق السوء.
أن تكون شخص طموح مثل زكريا مُحاط بأناس سلبين، سيؤثر هذا على شخصيتك و أحلامك لأنّ كما يُقال”الصاحب ساحب”، إذ كنت تجالس خمسة أصدقاء مدخنين، مع الوقت ستصبح سادسهم، على العكس إن كنت تجالس خمسة إضخاص ناجحين مع مرور الوقت ستصبح سادسهم.
يجب عليك التخلص أو الإبتعاد بقدر الإمكان عن رفاق السوء لأنّ سيؤثر مستقبلًا على أهدافك وطموحاتك.
مع كل هذه التحديات أين تكمن الفرص التي يمكن أن احصل عليها و التي ستساعدني في تطوير نفسي؟
بالرغم من وجود كل هذه التحديات التي ذكرناها سابقًا والتي تختلف من منطقة لأخرى، توجد فرص متنوعة يجب علينا أن نستغلها، السؤال الآن، ماهي هذه الفرص؟
- الأعمال التطوعية.
يُعرف على العمل التطوعي بأنّه القيام بعمل معين لفترة زمنية محددة بدون مقابل، حيث تفيد الأعمال التطوعية الشخص في عدة جوانب منها الخبرات المكتسبة من العمل وتوسيع شبكة العلاقات؛ إذ الأعمال التطوعية مكان يجمع شباب مُلهمين، شغوفين بالعمل التطوعي والإنساني من مختلف الفئات والأعمار، والذين يمكنك الإستفادة منهم في عدة أمور، ويمكن للشخص التطوع في كثير من الأماكن مثلًا الإنتساب للحركة العامة للكشاف والمرشدات، أو الإنضمام إلى إحدى منظمات المجتمع المدني، التطوع في الهلال الأحمر الليبي.. وغيرها من الأماكن التطوعية التي لاتعد ولا تحصى.
غالبًا يكون التطوّع حل للمعضلة التي تواجه الخريجين الجُدد، إذ يطلب منهم سنوات خبرة في العمل بمجرد تخرجهم، وهنا يكمن أهمية العمل التطوعي في توظيفك في سوق العمل، حيث أنك لو تطوّعت في أي جهة لفترة كافية يمكن لهذا أن يساعدك في تخطّي هذا الشرط، لأنّ من المعروف على الشخص المتطوّع حب المساعدة والإلتزام، بالإضافة إلى قدرته على العمل ضمن فريق والعمل تحت الضغط.
التطوّع أيضًا يمكنك من خلاله التقديم على المنح الدراسية التي تشترط في غالب الأحيان على الأعمال التطوعية، و هو أيضًا مكان للتعليم، إذ في كل مرة ستتعلم شيء جديد مثلما حدث مع محمد، بالإضافة إلى أنّ العمل التطوعي ليس فقط مقتصرًا على التطوع مع جهات معينة إنّما أيضًا يمكنك القيام بأعمال التطوعية بنفسك أو مع أصدقائك مثل حملات تنظيف وتشجير الغابات وغيرها من الأعمال التطوعية.
- الفرص التي يوّفرها الإنترنت.
لايُخفى على أحد بأن الإنترنت أصبح الآن حاضنة لكل العلوم و الفرص، إذ يوفر الكثير من الفرص التي تساعد الطلبة في تطوير أنفسهم منها تعلّم مجالات أخرى مثل البرمجة، الجرافيك ديزاين، التصوير الفوتوغرافي وغيرها من المجالات التي من الممكن أن تصبح مصدر رزق إليه، وهناك الكثير من المنصات التي توّفر دورات تدريبية لهذه المجالات مثل: Udemy ،Coursera، إدراك، رواق… وغيرها من المنصّات التعليمية الأخرى.
هذا ما قام به طه عندما كان في منطقة تعاني من ضعف وتذبذب الإنترنت وبُعد المراكز التدريبية ، إذ استثمر وقته عن طريق التعلّم الذاتي من الإنترنت والذي غيّر حياته جذريًا، وبالتالي أرتفع سقف طموحات طه وأصبح يطمح أن يكون مبرمج تطبيقات اندرويد، وهو يتمنّى من وزارة الاتصالات والشركات العامة أن تطور شركات الاتصالات، وأن تحسن سرعة الإنترنت لكي تواكب بلادنا السباق التكنولوجي العالمي، وتقف في صفوف الدول المتقدمة.
ليس هناك مقال يمكن أن يوضّح كل أدوات النجاح؛ لأن مفهوم النجاح يختلف من شخص لآخر، ويمكن أن يكون النجاح في جوانب مختلفة من الحياة، وكما نعرف بأن النجاح ليس مستحيلًا ولكنه ممكن، وفي طريقك للنجاح ستواجهك الكثير من التحديات والمصاعب التي تحاول أن تُصعّب عليك المشوار لتحقيق أهدافك، ولكن الشغف في كل الأحوال سيقلل تعب الرحلة، وفي النهاية نتمنّى للجميع رحلة نجاح موّفقة.
كتابة:
- طه أبو حميرة.
- زكريا أبو حميرة.
- حياة التير.
- محمد شكو.
- عبد الرحمٰن بن وفاء.
- سعيدة النالوتي.
تدقيق لغوي:
- غفران السنوسي.